اظن وليس كل الظن اثم ، ان قضية التحرش ليست ازمة قائمة بذاتها ، ولكنها هي احد نتائج ما نشهده من تغييرات غير مسبوقة ومتسارعة في كل الثوابت والادبيات التي اصبحنا نتعايش معها وبها على مدار اليوم..
لم يعد البيت المصرى كما كان في السابق هو صاحب الكلمة الأخيرة وربما الوحيدة في تربية الطفل، ولم تعد المدرسة او الجهة التعليمية هي الوحيدة التي لها الفضل في تحديد مستقبل الطفل ، ولا كيف يتعامل مع المجتمع ، ولا كيف ينمى ويطور ادواته.. ولم يعد المسجد او الكنيسة هي مصدر العقيدة او التعليمات الربانية.. وغيرها الكثير.
فعليا اصبح كل ما سبق مجرد طيف تأثيرة يكاد لا يذكر على تربية الأجيال الجديدة لاسباب كثيرة لا يمكن سردها في تلك المساحة.. ولكن الشاهد انه اما اننا كمؤسسات تعليمية وتربوية ودينية فقدنا التواصل مع الأجيال الجديدة او ان تلك الأجيال فشلوا في التواصل معنا ..والنتيجة واحدة.. كلا منا يمضى في طريقة على غير هدى.
ولكن الامر المؤكد ان قضية التحرش هي مسئولية جماعية تقع على عاتق المجتمع بأكمله بكل اطيافه ومكوناته ومؤسساته ، لا يجوز ان نحملها على طرف دون الاخر، وهنا استعير جملة الفنان القدير احمد زكى في فيلمه “ضد الحكومة” ( كلنا فاسدون .. لا استثنى احد).. وبمعنى ادق كلنا اهملنا دورنا وتركنا فراغا كبيرا لا يمكن ان يتحمل جيل من الأطفال والشباب الغض الذى بالكاد يستشرف ويتلمس طريقه في الحياة ان يستوعب كل او بعض مكنوناتها دون السقوط او التعثر او دون مساعدة.. وليس هذا تبريرا للخطأ ولكنه محاولة بسيطة لاستيعاب بعض جوانب الازمة بعد ان هدأت العاصفة.
القضية قد يطول شرحها وتحتاج الى حركة تنويرية مجتمعية للتدقيق في كل جوانبها للتعامل مع تداعياتها ، فالتحرش الجنسى هو كل سلوك غير لائق ينتهك تنتهك خصوصية أو مشاعر الشخص الذى يتعرض له ، وهى جريمة أخلاقية وآفة اجتماعية تهدد السلم الاجتماعى وتقوض دعائم استقرار المجتمع ويعاقب عليها القانون.لذلك فان موافقة رئاسة مجلس الوزراء على مشروع القانون المقدم من وزارة العدل والذى يهدف للحفاظ على سرية بيانات المجنى عليهن لانه سيساعد فى حث من تعرضن للتحرش على التقدم بإبلاغ جهات التحقيق ، هو خطوة أولى فعالة وقوية. يجب ان يتبعها خطوات أخرى مثل تعديل النصوص العقابية بما يكفل عوامل الردع لكل من تسول له نفسه ارتكاب تلك الأفعال وتفعيل ذلك فى الواقع العملى بإنفاذ القانون، وايضا دور الأسرة فى التربية الصحيحة لأبنائها فضلا عن الدور الهام والحيوى للثقافة والإعلام وما تقدمه المنابر المعنية بذلك من مواد سواء سنيما أو تليفزيون أو مسرح فالدور الاجتماعى نحو دحر تلك الظاهرة هو دور حيوى لا يقل باى حال من الاحوال عن الدور الذى تضطلع به الدولة فى مكافحة الظواهر الاجتماعية والأمنية الأخرى التى تهدد السلام الاجتماعى والأمن العام.
ان رفع التوعية لدى الفتيات للابلاغ عن اى تحرش مهما كان، هو احد اهم العوامل التي يمكن ان تحدث فارقا ، فضلا عن ضرورة تفهم الاسرة لتلك الخطوة وعدم خشيتها من نظرة المجتمع لها او لابنتها .. فالجميع بلا استتثناء معرضون لتلك الجريمة. يجب ان تكون الرسالة واضحة وجلية ومطمئنة لضحايا التحرش ، وهى ان لدينا بالدولة المصرية مظلة قانونية قوية تحمى حقوق المرأة وتُجرم التحرش وتعاقب عليه، والسكوت ليس فى صالحهن ولا فى صالح المجتمع